رمضان كان مختلفا هذا العام

الجميع يعتبر صوم شهر كامل كتحدي كبير, ولكن الصوم لدى الطلاب هو تحدي اكبر بكثير – فاطمة عمر خمايسي

רמדאן בבמעונות הסטודנטים של אוניברסיטת תל אביב. צילום: פאטמה עמר ח'מאייסי
רמדאן בבמעונות הסטודנטים של אוניברסיטת תל אביב. צילום: פאטמה עמר ח'מאייסי

قبل سرد قصير لتجربتي الشخصية لصيام شهر رمضان خلال دراستي الجامعية في تل ابيب يجب ان اوضح ان الصيام يظهر مدى قدرة الصائم على وضع ضوابط وحدود لنفسه.

القوانين , الاعراف او العادات والتقاليد تحكم تصرف الانسان عادة . مما يعني ان "أخر" او  جهاز خارجي يحدد الممنوع والمسموح. الصائم في رمضان يضع لنفسه الضوابط والحدود التي تحكم تصرفاته , كلامه واعماله وحتى طريقه تفكيره. بهذه العبرة تكمن الحكمة من الصيام وذلك وفق كل الشرائع السماوية الإسلامية , المسيحية واليهودية.

اعتدت منذ طفولتي ان استعد في كل عام لصوم شهر رمضان, في المرحلة الابتدائية كنت اصوم حتى منتصف اليوم لصغر سني, في المرحلة الاعدادية  والثانوية استطعت صوم النهار بأكمله لم يكن خلال تلك الفترة صعوبات تذكر كالتي واجهتها انا والعديد من الطلاب في اول ايام رمضان في الجامعة !

عند اقتراب شهر رمضان بدأت اسمع الكثير من تجارب الصوم لدى الطلاب واكاد اقول ان جميع قصصهم متشابهة وان يومهم الاول بكل صعوبة تفاصيله كان مشتركا لجميعهم رغم اختلافاتهم …

شخصيا شعرت باني سأتغلب على كل تلك الصعوبات. لا انكر باني شعرت بقلق بعض الشيء ولكني كنت على يقين بأن شهر رمضان سيلهمني الصبر وسيحل علينا ضيفا خفيفا ولن اشعر به لا سيما باني قضيت اكثر من نصف سنة اتناول الطعام  في سكني الطلابي وحدي بعيدا عن عائلتي والان كل ما سيختلف هو ان امتنع عن الطعام خلال النهار واتناوله في الليل, سيمر بسرعة انا اعلم …

רמדאן (צילום: כרמל אביבי)
רמדאן (צילום: כרמל אביבי)

في اليوم الاول من شهر رمضان , نهضت كالمعتاد استعدادا ليومي الطويل من المحاضرات, مشيت لمدة تقارب العشر دقائق في الحر الشديد وصلت لكليتي مبكرا بما انني لم امر بالمقهى ولم اقف في صف طويل لأشتري كوبا من القهوة. ومن هنا بدأت اشعر بأن الوضع مختلف. علي الاعتماد على ارادتي. يجب علي الان ان امتنع عن شرب القهوة التي كانت تساعدني في التركيز خلال اليوم الدراسي الشاق.

في ساعات الظهيرة بدأ مخزوني الغذائي الذي تناولته استعدادا لصوم  ينتهي. شعرت بالعطش الشديد. خلال الاستراحة التي كانت لي بين المحاضرات كنت اجلس مع زملائي نتكلم عن شتى المواضيع حتى قامت زميلة لي بتقديم الكعك وعند وصولها لي شكرتها واعتذرت لكنها اصرت كونها كانت فخورة بالنتيجة التي حصلت عليها وارادت  معرفة رايي ولكن سرعان ما اخبرتها بانني صائمة.  حتى تفهمت وطلبت ان اشرح لها عن ماهية شهر رمضان. اجبتها ان لصيام شهر رمضان العديد من الفوائد الروحانية, الصحية , الاجتماعية  وحتى الاخلاقية . والاهم من كل ذلك صيام شهر رمضان فرض على المسلم مثل الصلاة. فبموجب المفهوم الديني  يعتبر شهر رمضان ركن من اركان الاسلام.  تنزل به القران هدى للناس. في رمضان تفتح ابواب الجنة وتغلق ابواب النار. تغفر جميع الذنوب والخطايا في ليلة القدر. وهي الليلة الاكثر اهمية في شهر رمضان فبها من الخير اكثر من الف شهر. ولذلك نرى  الصائمين يقضون اغلب اوقاتهم بالعبادة , الصلاة والتقرب من الله.

من الناحية الصحية هنالك العديد من الفوائد التي تعود بالنفع على جسم الانسان. مثلا بسبب الصيام ينخفض معدل السكر في الدم وبالتالي يبدا الجسم بحرق الدهون مما يؤدي لخلق توازن في الجسم بالإضافة ستزداد انتاجية كريات الدم البيضاء التي بدورها تعمل على تقوية  جهاز المناعة والعديد من الفوائد الاخرى .

من الناحية الاجتماعية يساهم رمضان على الصعيد الفردي في لم شمل جميع العائلة حول مائدة واحدة ويصل الارحام من خلال تناول الطعام سويا والزيارات المتبادلة. اخلاقيا رمضان يفرض الامتناع عن الاكل والشرب  بل الاهم من ذلك يجب على الصائم ان يمتنع عن كل عمل وقول فيه ضرر للأخرين خاصه الكذب, النصب والنميمة. في رمضان تكثر الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين وهنا يتحلى مفهوم رمضان الاساسي وهو الشعور مع الفقراء ومن لا يستطع تأمين لقمة الطعام على مدار السنه وبالتالي هذا يحفز قيم العطاء لدى كل صائم للتبرع بأي مبلغ كان لإنقاذ حياة اخر من الخطر.

بعد ذكر كل هذه المعلومات اندهش الجميع حتى ان قسما منهم ابدى استعداده لخوض هذه التجربة ليتمتع من كل تلك الفوائد.

انتهت محاضرات ذاك اليوم , رجعت مسرعة لسكن الطلابي لكي احضر الطعام قبل اذان المغرب وهو الوقت الذي نستطيع به تعليق صيامنا ونتمكن من الاكل. تمكنت من تحضير وجبة سريعة في وقت قياسي.  كل ما كان يهمني هو كوب من الماء. جلست انتظر صوت الاذان ولكن سرعان ما تذكرت باني اتواجد في منطقة معزولة عن الجوامع وهكذا لم استطيع سماع الاذان الذي اعتدت عليه وافتقدته بشدة في تلك الاثناء. شكرت التكنولوجيا لأنها مكنتني من معرفة هل بإمكاني الافطار الان وذلك بمساعدة  تطبيق هاتفي يقوم ببث اوقات الصلوات حسب الموقع الجغرافي المتواجدين به.

في هذه اللحظات اعادتني ذاكرتي لكل التفاصيل الصغيرة لكل شهر رمضان سابق مر علي. كان لكل واحد من افراد عائلتي وظيفة. امي تعد الطعام. انا اساعد في تجهيز المائدة واحيانا اتسرب لاتجاه التلفاز لمشاهدة بعض المسلسلات الرمضانية. اخي يراقب الساعة دقيقة بدقيقة ويعلن اقتراب وقت اذان المغرب. اختي الصغيرة تقلد صوت الشيخ لتعلن اذانا مبكرا ظنا منها انها تخدع السامعين. ابي يحرص بعصبيه على ان نكون جميعا حول المائدة على الوقت. أتذكر كم مرة كان عليه ان ينادي اسمي لأكون جاهزة على مائدة الافطار عند الاذان. والان افطر بعيدا وحولي كتب الدراسة, لم اعتد ذلك!!

كل تلك الاحداث كانت من الماضي, جميعهم محق الامر صعب جدا.

ولتغلب على جميع الصعوبات كتواجدنا بعيدا عن ديارنا بحكم هدفنا بالتعلم قررنا نحن الطلاب بخلق طقوس رمضانية في سكننا الطلابي لتناسبنا وتساعدنا على الاستمتاع بفضائل هذا الشهر. عند اقتراب موعد اذان المغرب هنالك من يقوم بالتأذين من الطلاب وبالتالي يخفف علينا الشعور بالنقص ونشعر بالانتماء لهويتنا وديننا.

نجتمع  على مائدة واحدة مع اصناف مختلفة من الطعام التي قمنا باعداها او ببساطة كل شخص يأخذ على نفسه المسؤولية لإعداد الطعام حسب برنامجه التعليمي. فمثلا من يعاني من ضغط تعليمي شديد ليس مجبر على اعداد الطعام بل مرحب به للجلوس وللإفطار. ففي رمضان تدب البركة في الاكل فلا احد قد يشعر بحرج او بمشقة في اعداد الطعام.

רמדאן במעונות הסטודנטים של אוניברסיטת תל אביב. צילום: פאטמה עמר ח׳מאיסי
רמדאן במעונות הסטודנטים של אוניברסיטת תל אביב. צילום: פאטמה עמר ח׳מאיסי

وبعد الانتهاء من الافطار عادة ما تقام صلاة التراويح في المصلى والتي تجمع بدورها جميع الطلاب للصلاة وبالتالي هذا يسهل عليهم اقامة فرائضهم الدينية  كثيرا وذلك لان المسجد بعيد جدا عن منطقة الجامعة.

من الناحية التعليمية جميعنا واجهنا صعوبات لخلق توازن ما بين الصيام والدراسة. فهنالك  للأسف من لم يستطيع تحمل المشاق في تمضية الوقت بين الكتب على معدة خاوية وهنالك من اقنع نفسه بعدم ضرورة الصيام لعدم تواجده في نظام اسلامي او لأخذه تصريح من مفتي يعطيه الشرعية بعدم الصيام لأنه طالب.

بدوري اتمنى لو ان الجامعة والجهات المختصة تتطرق لهذا الموضوع وتأخذ وضعنا في عين الاعتبار. فمثلا هنالك العديد من المحاضرات المتأخرة التي تأتي على حساب وقت الافطار وبالتالي يتواجد الطالب ما بين المطرقة والسدان. من جهة على الطالب الصائم ان يذهب للإفطار ومن جهة اخرى المحاضر لم ينته من كلامه وعلى الاغلب لا يدري بتواجد طلاب صائمون.

بخصوص تحضير الوظائف والامتحانات اتمنى واطالب ان نحصل على بعض التسهيلات. الوقت ليس بكاف للذهاب للمحاضرات وبعدها اعداد الطعام والفطور وفي احسن الحالات يبدأ الطالب فورا بالعمل على وظائفه او الدراسة لامتحاناته  حتى وقت السحور , مما يؤدي لعدم حصوله على قسط من النوم الذي يؤهله لتواجد الاجباري في يوم الغد.

رمضان هذا العام كان مختلفا. خلق الود بين جميع الطلاب على مائدة واحدة. دعاهم للصلاة سويا. حتى ان هنالك مجموعة من الطلاب التي اخذت على عاتقها تنظيم حافلة للصلاة في المسجد الاقصى في القدس. رمضان ببساطة خلق نوع من الجو الذي لا يوصف. تراهم جميعا مهنئين ويقولون رمضان كريم طيلة الوقت. في النهار يتساءلون عن انواع الطعام الذي  سيأكلونه او أي مطعم سيرتادونه اليوم. وفي المساء من اين سيشترون الكنافة والقطايف؟ كل هذا الجو سهل علينا جميع المشاق والمتاعب. والغريب ان مع نهايته بدانا نفكر ما الذي سنفعله في رمضان المقبل. كيف سنتعاون سويا لكي نخفف وطأ الغربة وصعوبة تواجدنا في مدينة علمانية لا تكترث للجوانب الدينية خاصة لدى المسلمين.

"رمضان السنه دي غير كل عاداتي"