فوق أي شيء

لماذا كنت مصرة على التحدث بالعبرية مع صديقاتي الإسرائيليات في حفل نيكولاس جعار في رام الله ولمَ هذا لا يعني بأنهُ مُرَحّبٌ بكم هناك

Nicolas Jaar (gettyimages)
Nicolas Jaar (gettyimages)
26 באוקטובר 2017

 

לקריאת הכתבה בעברית | Read this article in English

كان ذلك ظهيرة يوم جمعة، التوقيت الدقيق لكأس من النبيذ الأبيض والهدوء، حين اتصلت بي صديقتي المقربة لتفسد سكوني كي تسألني بحماسة: "هل تنوين السفر إلى حيفا أم إلى رام الله لمشاهدة عرض نيكو؟"

–          من هو المدعو نيكو؟ عمّ تتحدثين؟ ما الذي يحصل؟

–          "نيكولاس جعار، ال-دي.جي الفلسطيني، أختي"

–          "اه حسنًا، صادفت شيئًا من هذا القبيل في فيسبوك صراحةً ولكنني لم أولِ الأمر تفكيرًا زائدًا"

–          "حسنًا سنسافر، لا يعنيني كيف. لحيفا لم تتبقّ تذاكر بسبب تخصيصها للفلسطينيين فقط على ما يبدو، حتى أنني سجلت نفسي للقرُعة!"

قبل عرضيّ جعّار بأسبوعين، وهو لاجئ فلسطيني من كبرى الجاليات الفلسطينية في الغرب – تشيلي – تل أبيبيون من جميع الأصناف تحدثوا بلا توقُّف عن الحدث. تبيّن بأنهم استصعبوا تقبُّل الحقيقة بأن فنانًا شهيرًا سيأتي إلى البلاد، إلى فلسطين، وهو يرفض قطعًا أن يقدّم عرضًا للإسرائيليين في حديقة اليركون.

Nicolas Jaar (gettyimages)
Nicolas Jaar (gettyimages)

حصلت بسهولة على تذكرتين لي ولصديقتي ووعدتها بأنها ستكون معي طوال الوقت وبأنه ما من داعٍ لأن تشعر بالقلق. ولكن في اللحظة التي قررت فيها اصطحاب إسرائيليين معي إلى رام الله، قررت كذلك بأنني سأختارهم بعناية وحذر مُحاولةً عدم نشر هذا الخبر بين روّاد بار "النيلوس". كان من الواضح لي بأن الأشكناز "الهيبستريين" والمتحمسين زيادة هم ليسوا بالجمهور الذي أود اصطحابه معي، تحت رعايتي، ما وراء الحاجز.

إذًا لماذا اصطحبت معي صديقة بالرغم من ذلك، يهودية شرقية، مُصِرّةً على الحديث معها بالعبرية في الدور المتمدد في مدخل مكان العرض؟ الإجابة البسيطة هي أن العبرية لغتي الثانية، أُجيدُها وأستخدمها في حياتي اليومية، أكثر من العربية، للأسف. ولسبب ما شعرتُ بأن هنالك نوعٌ من المصداقية في الأمر وبأن بإمكان الفلسطينيين في رام الله والضفة تفهُّم الموضوع، وكذلك تفهّمي أنا نفسي ومدى تركيب حياتي وحياة مليون ونصف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية. فأصررت على ذلك، وحاولت التصرف وكأنني غير متنبهة لحساسية الأمر وبأنه من المفضّل "نوكل العنب ومش نقاتل الناطور"، إلى أن طلب منا أحد الاصدقاء وبشكل صارم، بأن نتوقف عن ذلك.

في الساحة الكبيرة النصف خالية، في الفندق الفاخر الذي استضاف الحفل، التقيت بالعديد من الأشخاص الذين أعرف، غالبيتهم من الداخل الفلسطيني، "عرب إسرائيل" كما يُعرّفنا الكثيرون يعني، نحن باختصار. إذ ما علاقة أبناء وبنات رام والله بال "تخنو"؟ او ب-"نيكو"؟ (هذا ما سمعته على الأقل من اهل رام الله ذاتهم في العرض)  في نهاية الأمر، كل من لم ينجح بالحصول على تذكرة للحفل في حيفا أتى إلى رام الله ومُعظم الفلسطينيين سكان تل ابيبب أتوا بصحبة صديق/صديقة إسرائيلية.

امّا نوّار، أعزّ صديقاتي في رام الله فالتقيتها في هذه الساحة ايضًا، وبعكس متعتي المحدودة، أخبرتني نوّار "بأنها تشعر بالمتعة والحرية بشكل ملحوظ، وكأنها خارج البلاد، لا في هذا السجن الكبير أو تحت الاحتلال، وإجمالاً، تواجد نيكو عندهم هو حدث مغاير بحد ذاته". أقوال نوّار وقعت في صميم قلبي، فهمت أكثر وأكثر تلك المزايا والامتيازات التي أتمتع بها أنا على العكس منها، وفهمتً أنها سئمت من كل شيء كما الجميع. هكذا ببساطة، من كل شيء.

Nicolas Jaar (gettyimages)
Nicolas Jaar (gettyimages)

ألم نسئم نحن ايضًا من الاحتلال؟ من العنصرية المُمنهجة؟ من اللغة التي احتلت لنا ثقافة كاملة؟ ومع أنني أحب العبرية (كلغة وبدون أي علاقة في الاحتلال) واخترت استعمالها في حديثي "مُخاطِرةً" بهذا وسط رام الله وخلال عرض قصير لم يُشعرني بالفرح، لا يمكنني تجاهل حقيقة أنّ نوّار وأصدقاء وأشخاص آخرين لا يستطيعون الحضور إلى حفل تحييه فرقة راديوهيد في حديقة اليركون أو حفل لميرا عوض في مقهى بياليك.

أينعم، أنتم الإسرائيليون، يتوّجب عليكم أن تستوعبوا: لم تتم دعوتكم إلى نيكولاس جعار لا في رام الله ولا حيفا، ولستم بجمهور مرحب به، والحدث لا يتوجه إليكم. ومع ذلك هنالك أحيانًا صداقات، وان كان ذلك لوقت محدود، هي فوق كل شيء، فوق الاحتلال الذي لا يبلغ من العمر فقط 50 عامًا، فوق الموسيقى وفوق السياسة.